الطرد لأسباب شخصية
في القانون وفي فقه القضاء
المنجي طرشونة
أستاذ التعليم العالي
مقدمة
جاء في الفصل 14 ثالثا من مجلة الشغل أن الطرد الواقع دون وجود سبب حقيقي وجدّي يبرره يعتبر تعسفيّا. لا يعطي هذا الفصل تعريفا للسبب الحقيقي والجّدي وأثار هذا المفهوم جدالا فقهيا وقضائيا عميقا إثر إدراجه في قانون 13 جويلية 1973 الذي أخذ عنه القانون التونسي المؤرخ في 21 فيفري 1994.
قبل أن نسلط الضوء على هذا المفهوم تجدر الملاحظة أن المشرع التونسي، كما الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي، يشترط لتبرير الطرد أن يكون السبب في آن واحد حقيقيّا وجّديّا ولا تترك صياغة الفقرة الثانية للفصل 14 ثالثا أي مجال للشك في ضرورة الجمع بين الصبغة الحقيقية والصبغة الجديّة للسبب المبرّر للطرد. ولكن ما هو مفهوم السبب الحقيقي؟ وماذا نعني بالسبب الجدّي؟
1. السبب الحقيقي: تتكون الصبغة الحقيقيّة للسبب الحقيقي من عنصرين أساسين وهما وجوده وصحتّه
1- لا يعبر السبب حقيقيّا إلاّ إذا كان موجودا بالفعل وضرورة الوجود الفعلي للسبب هيّ التي تفسر إشتراط الفقرة الأولى من الفصل 14 ثالثا أن يبين المؤجر أسباب الطرد في رسالة الإعلام بإنهاء عقد الشغل. لذلك لتكتسي صبغة حقيقيّة لا يجب أن تكون هذه الأسباب واهية وصورية ويتعيّن على القاضي أن يبحث فيما إذا كانت الأسباب التي يستند إليها المؤجر موجودة بالفعل ولا يقتصر على الأخذ بالأسباب المقدّمة من طرف المؤجر دون التأكد من حقيقة وجودها وذلك على أساس الفصل 14 خامسا من مجلة الشغل الذي ينص على أنه يرجع للقاضي تقدير مدى وجود الصبغة الحقيقية لأسباب الطرد بناء على عناصر الإثبات المقدّمة من طرفي النزاع ولكن لا يمكن للقاضي تقدير وجود السبب إلاّ إذا كان هذا الأخير دقيقا أي إلاّ إذا قدّم المؤجر للقاضي كل العناصر الموضوعيّة التي تؤكد وجوده. فإذا ما استند المؤجر مثلا إلى ضعف إنتاجية العامل الناتج عن سوء إستعداده والذي يمثل خطأ فادحا يبرر الطرد يتعيّن عليه تقديم كل الوقائع المادية والدلائل التي توضح الوجود الحقيقي للضعف في الإنتاجيّة وهو العنصر المادي لهذا الخطأ كما يتعيّن عليه إثبات أن هذا الضعف المهني ناتج عن سوء إستعداد ظاهر وهو الركن المعنوي لهذا الخطأ أمّا إذا اقتصر المؤجر على أسباب تتسم بالعموميّة وعدم الدقة ولا يتوصل إلى إبراز هذه الأسباب لوقائع وعناصر موضوعيّة وماديّة وحسيّة فلا يمكن للقاضي تقدير مدى الوجود الفعلي للصبغة الحقيقية لأسباب الطرد ويحكم بعدم وجود سبب للطرد.
لذلك يمكن القول أن السبب الحقيقي هو السبب الموجود والسبب الموجود هو السبب الفعلي والسبب الفعلي هو السبب الموضوعي والسبب الموضوعي هو السبب الدقيق والسبب الدقيق هو الذي يسهل تقديره والتثبت منه على أساس عناصر مادية وملموسة.
2- السبب الصحيح: لا يكون السبب حقيقيّا إلاّ إذا كان صحيحا فالسبب المغلوط هو السبب الصوري الذي يخفي الدافع الحقيقي إلى الطرد فإذا ما استند المؤجر مثلا لتبرير الطرد إلى تغيب العامل عن عمله بدون رخصة لأول مرّة والذي يعتبر من الأخطاء الفادحة ودفع العامل هذا السبب بالصوريّة دون إنكار واقعة التغيب مستندا إلى أن الدافع الحقيقي إلى الطرد هو عمله النقابي مثلا وأن المؤجر يغض النظر عن التغيب غير المكرّر بالنسبة للعمال الآخرين. ينبغي على القاضي في هاته الحالة البحث فيما إذا كان التغيب عن العمل هو السبب الحقيقي للطرد وذلك بناء على العناصر المقدّمة من الأجير وعلى كل وسيلة تحقيق يراها ضروريّة السبب الحقيقي هو إذا الدافع الأصلي إلى الطرد أي السبب الذي لولاه لما أقدم المؤجر على الطرد بحيث لا يكون السبب الظاهر، الذي يبرر مبدئيا الطرد، حقيقيّا ومشروعا، إذا أخفى سببا غير مشروع للطرد.
2- السبب الجّدي:
يشترط الفصل 14 ثالثا من مجلة الشغل أن يكون سبب الطرد جدّيا ويوكل الفصل 14 خامسا للقاضي مهمة تقدير مدى الصبغة الجديّة للطرد بناء على عناصر الإثبات المقدّمة من طرفي النزاع وعلى إجراء كل وسيلة تحقيق يراها ضروريّة ولكن يصعب حصر مفهوم السبب الجدّي في غياب تعريف قانوني له ويعرفه الفقه وفقه القضاء لصيغة عامّة بأنه السبب الذي يتسم بقدر من الجسامة يستحيل معه الإستمرار في العمل دون الإضرار بالمؤسسة ويجعل الطرد ضروريّا. يتبيّن من هذا التعريف أن السبب الجدّي هو الذي يمثل خطر الإضرار بالمؤسسة من ناحية والذي يجعل مواصلة العلاقة التعاقدية مستحيلة من ناحية أخرى.
لم يحدد المشرع على سبيل الحصر الأسباب الجديّة التي تبرر الطرد ويمكن تقسيمها إلى صنفين فمنها ما يرجع إلى وضعية المؤسسة خاصّة منها الوضعيّة الإقتصاديّة ومنها ما يرجع إلى شخص العامل وفي كلتا الحالتين يقع تقدير مدى جديّة السبب بالرجوع إلى مصلحة المؤسسة.
بالنسبة للأسباب الشخصية للطرد موضوع محاضرتنا، لا نجد في القانون تعريفا لها ولا قائمة حصريّة. فالأسباب الشخصيّة للطرد هي الأسباب المرتبطة بشخص العامل والملازمة له واللصيقة به ويمكن تقسيمها بدورها إلى صنفين: أسباب تتعلق بسلوك العامل (الجزء الأول) وأسباب تتعلق بوضعيته (الجزء الثاني).