الالتزامات غير القابلة للمقاصة :
توجد التزامات لا تقبل المقاصة وذلك بحسب موضوعها أو نظرا لطبيعتها (فقرة أولى) أو بحسب مصادرها (فقرة ثانية)، ولا تهم المقاصة إلا بعض الالتزامات بإعطاء ومحلها مبالغ مالية أو أشياء مثلية، فهي لا تجوز في الالتزام بإمتناع عن عمل وكذلك الالتزام بالقيام بعمل أي سبب موضوعها.
فقرة أولى : الالتزامات غير القابلة للمقاصة بحسب طبيعتها :
إن العديد من الالتزامات لا تقبل المقاصة نظرا لطبيعتها الخاصة أي عدم قابليتها للعقلة وهذا انطلاقا من الفصل 378 من م.ا.ع الذي نص على عدم جواز "المقاصة في أحوال: أولها – إذا كان سبب أحد الدينين نفقة أو شيئا آخر مما لا يجوز حجزه".
لذا فتحديد الديون غير القابلة للمقاصة يتطلب تحديد تلك التي لا تقبل العقلة والمنصوص عليها بمجلة المرافعات المدنية والتجارية ومواضع أخرى فقد تضمن الفصل 308 من المجلة المذكورة أنه "لا تقبل العقلة :
1-ما يلزم المعقول عنه وعائلته من الفراش والملابس وأواني الطبخ.
2-الآلات والكتب اللازمة لمهنة المعقول عنه إلى حد ما قيمته مائة دينار حسب اختياره.
3-الكتب والأدوات المدرسية اللازمة لتعلم من هو في كفالة المعقول عنه من الأولاد.
4-ما يكفي من طعام المعقول عنه وعائلة مدة خمسة عشر يوما.
5-الأوسمة والرسائل والأوراق الشخصية وما هو ضروري للقيام بالواجبات الدينية" كما اقتضى الفصل 358 من نفس المجلة أن "الجوائز المعطاة للجنود بموجب قوانين التجنيد لا يمكن عقلتها ولا إحالتها إلا في ديون النفقة أو ديون الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية فتكون جينئذ قابلة للعقلة والإحالة جملة حسب قواعد القانون العام".
فمن الديون غير القابلة للعقلة نجد ديون النفقة (أ) والأجور (ب) والديون الراجعة للدولة (ج).
أ-ديون النفقة :
المقاصة لا تجوز "إذا كان سبب أحد الدينين نفقة أو شيئا آخر مما لا يجوز حجزه" هذا المثال ضربه المشرع لبيان الأشياء غير القابلة للحجز فديون النفقة أحسن مثال للتعبير عن الديون التي لا تقبل العقلة، وقد نص الفصل 331 من م م م ت على منع عقلة ديون النفقة فجاء به، "لا تقبل العقلة التوقيفية :
أولا : النفقة إذا صدر بها حكم"، وتبرير هذا المنع يعود إلى الصبغة المعاشية للنفقة فهي ضرورية لحياة الدائن، كما أنه إذا ما سمحنا للدائن بعدم دفع الدين غير القابل للحجز فإننا نصل بطريقة غير مباشرة لحجز مالا يمكن حجزه وديون النفقة لا تقبل المقاصة مهما كانت أسبابها وهي علاقة الزواج والقرابة والالزام طبقا للفصل 37 من مجلة الأحوال الشخصية.
كما أن الجراية العمرية الممنوحة للمرأة المتضررة من الطلاق طبق الفصل 31 من المجلة المذكورة لا تقبل المقاصة لصبغتها المعاشية أيضا، لكن طرح إشكال بخصوص النفقة المتخلدة بذمة المطالب بها إن كانت تقبل المقاصة أم لا ؟ فأجابت محكمة التعقيب في قرار لها بتاريخ 19 ماي 1981 "إن النفقة المتخلدة بالذمة والمعبر عنها في اصطلاح الفقه الإسلامي بالنفقة المتجمدة ولئن كانت تعتبر دينا بالمفهوم العام لهذا اللفظ إلا أن هذا الدين لا يفقد برغم ذلك صفة كونه دينا له صبغة معاشية ومن أجل ذلك أطلق عليه المشرع لفظ نفقة، فقال لا تسقط نفقة الزوجة بمضي المدة الطويلة…" .
إن الصبغة المعاشية للنفقة كأساس لعدم قابليتها للعقلة وللمقاصة تبرر أيضا المنع المبدئي لعقلة المنح والجرايات التي تدفعها صناديق الضمان الاجتماعي وبالتالي فهي لا تقبل مبدئيا المقاصة.
ب-أجور العمال :
يمثل الأجر بالنسبة للعامل مصدر عيشه الوحيد فهو يكتسي صبغة معاشية في جزئه الأكبر : لذا حماه المشرع ؛ ومن مظاهر الحماية أن الأجر لا يقبل العقلة في جزء كبير منه وهو بالتالي لا يقبل المقاصة في هذا الجزء غير القابل للعقلة وقد تدخل المشرع أيضا عن طريق قواعد خاصة متعلقة بالمقاصة وردت بمجلة الشغل لحماية أجور العمال.
إن القاعدة العامة تتمثل في تحديد الجزء من الأجر غير القابل للمقاصة وتحديد الجزء من الأجر غير القابل للعقلة ولهذا فإن معرفة الجزء القابل للعقلة والجزء غير القابل لها بات ضروريا ؛ فقد حدد المشرع هذه الأجزاء في الفصل 354 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية. وحسب فهم هذا الفصل فإن الأجر لا يقبل المقاصة إلا في الجزء الذي حدده المشرع، كما أنه يمكن القول بأن الجرايات الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية لا تقبل المقاصة طبق القانون عدد 28 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994 بحكم أنها لا تحال ولا تحجز.