مصلحة المؤسسة في إطار قانون
إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية
عصام الأحمر
قاضي رئيس فريق عمل
بمركز الدراسات القانونية والقضائية
لقد أصبح مصطلح "المؤسسة" كثير التداول سواء في الأوساط القانونية أو في مجال الأعمال غير أن "المؤسسة" لم تلق إلى الآن تعريفا تشريعيا دقيقا رغم تأكيد المشرع على أهمية المؤسسة ودورها في تنشيط الإقتصاد.
فقد إستعمل المشرع مصطلح المؤسسة في عديد المواضع من مجلة الشغل مثل الفصل 25 "غلق المؤسسة" والفصل 28 "رئيس مؤسسة صناعية أو تجارية" كما إستعمل نفس المصطلح بالقانون عدد 34 المؤرخ في 17/04/1995 والمتعلّق بإنقاذ المؤسسات التي تمرّ بصعوبات إقتصادية دون أن يحدّد مفهوم المؤسسة ( ).
وفي غياب تعريف تشريعي للمؤسسة يمكن الإكتفاء بالتعريف الذي أورده السيد محمد الهادي الدعلول والذي تضمن أن :"المؤسسة من المؤسس تأسيسا وهو المقام حدوده والمبني قواعده. وهي تعني التخصيص المنظم للأموال والمعدّات بغية الإنتاج والترويج أو تقديم الخدمات لغاية تحقيق الأرباح. وبذلك فإن المؤسسة الإقتصادية تعني المتجر والمصنع محلّ الحرفة والذات المادية ومختلف الذوات المعنوية" ( ).
ومصطلح المؤسسة يختلف عن مصطلح الشركة بإعتبار أن الشركة تمثل أحد الأشكال القانونية التي يمكن أن تنشط ضمنها المؤسسة فتكون تجارية من حيث الشكل بالنسبة إلى الشركة خفية الإسم والشركة ذات المسؤولية المحدودة فيما تكون تجارية بحسب الموضوع أو النشاط بالنسبة إلى بقية أشكال الشركات.
وفي مقابل ذلك يمكن أن تكون المؤسسة على ملك ذات طبيعية فتدمج في ذمتها المالية وتصبح عنصرا من عناصرها بإعتبار أن المشرع التونسي لم يتبن نظرية تخصيص الذمة المالية Patrimoine d'Affectation" La" رغم تبنيه نظرية شركة الشخص الواحد في إطار مجلة الشركات التجارية.
غير أنه في إطار تحديد ميدان الفصل 47 من مجلة تشجيع الإستثمارات تولى المشرع تعريف المؤسسات الصغرى التي يمكنها الإنتفاع بإمتيازات خاصة فنص الفصل الأول من الأمر عدد 814 لسنة 1994 على أنه :" تعتبر مؤسسات صغرى في مفهوم الفصل 47 من مجلة تشجيع الإستثمارات مؤسسات الصناعات الحرفية..." ( ).
وحرصا من المشرع على دفع عملية تشغيل أصحاب الشهادات العليا تم تنقيح الأمر المذكور وأصبحت المؤسسات الصغرى تشمل المشاريع التي يصل حجم الإستثمار فيها بما في ذلك الأموال المتداولة إلى 80 ألف دينار بالنسبة للمشاريع المنجزة من قبل أصحاب الشهادات العليا وكذلك المشاريع المنجزة بصيغة إفراق المؤسسات الإقتصادية ( ).
وبهذا المعنى فإن المؤسسة تعيش في محيط إقتصادي متغير ومتطور بنسق مطّرد يستجيب لمتطلبات التطور التكنولوجي وفتح الأسواق الداخلية والمحلية إثر إنهيار الحدود القمرقية.
وفي ظل هذا المحيط الإقتصادي المتميز بالمنافسة الشرسة أصبحت المؤسسة مطالبة بالإستجابة لمتطلبات السوق وذلك بتحسين الإنتاج والجودة مع الضغط على الكلفة والحطّ من الأسعار، كل ذلك في إطار الجدول الزمني الممنوح لها. ولتحقيق هذه النتائج تكون المؤسسة مطالبة بالتوفيق بين متناقضين.
فالجودة والمردودية تقتضي بذل مصاريف طائلة لإقتناء وسائل الإنتاج الحديثة وإنتداب كفاءات عالية ومتخصصة تتمتع بالخبرة والتجربة الضرورية وهو ما يثقّل كاهل المؤسسة ويرفّع من ثمن التكلفة.
وفي مقابل ذلك تسعى المؤسسة إلى تحقيق توازنا ماليا داخليا وذلك بتخفيض كلفة الإنتاج والضغط على الأعباء المالية قصد عرض أسعار قادرة على المنافسة ولن يتحقق لها ذلك إلا بحسن التصرّف في الموارد البشرية والتقليص من نفقات الإنتداب مع الحطّ قدر الإمكان من مصاريف تطوير وسائل الإنتاج.
فمتى وُفقت المؤسسة في تحقيق التوازن بين هذين المتناقضين حققت أرباحا وإستمر نشاطها بشكل طبيعي دون أن تُثار مسألة "مصلحة المؤسسة"، وفي مقابل ذلك كلما إحتدت الصعوبات الإقتصادية التي تواجهها المؤسسة إلا وأثيرت مسألة "مصلحة المؤسسة" وإرتفعت الأصوات منادية بضرورة تغليب مصلحة المؤسسة ضمانا لإستمرارها خدمة للإقتصاد الوطني فأصبحت مصلحة المؤسسة بمثابة قارب النجاة الذي تتحصّن به المؤسسات المهددة في كيانها وبقائها.
ولئن كرّس المشرع من خلال القانون عدد 34 لسنة 1995 مفهوم مصلحة المؤسسة ووضع الآليات الكفيلة بتحقيقها ثم دعم هذا التوجه من خلال التعديلات المتتالية للقانون المذكور فإن مصلحة المؤسسة لم تُلـه المشرع عن حماية بعض المصالح الأخرى التي وإن كانت تتعارض مع مصلحة المؤسسة فإنها تُحقق مصالح أخرى لا تقل عنها أهمية.
وبذلك فإن إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية لم يكن هدفا في حدّ ذاته وإنما مثّل بالنسبة إلى التشريع التونسي وسيلة للمحافظة على النسيج الإقتصادي والمحافظة على مواطن الشغل فتم تغليب مصلحة المؤسسة أحيانا فيما تم إغفاله أحيانا أخرى.
وللوقوف على أهمية مصلحة المؤسسة في إطار قانون إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية فإنه يتجه دراسة مصلحة المؤسسة من خلال إجراءات الإنقاذ في جزء أول ثم النظر في مصلحة المؤسسة في خلال الحلول القانونية عند تعذر مواصلة النشاط على معنى الفصول من 41 إلى 46 من قانون الإنقاذ في جزء ثاني.